صراع طويل مع الذات 2

دار حديثا ذات مرة بيني وبين فتاتين في تويتر

حيث كان يدور عن أفضل مرحلة عشتها في حياتي

حيث اتفقت الفتاتان أن مرحلة الطفولة هي الأجمل بلا منازع

فيما قمت بإنكار هذا وفضلت عليها مرحلة المراهقة

مع إن مرحلة المراهقة لم تكن أفضل بكثير من مرحلة الطفولة

لكني على الأقل حظيت ببضع سنوات جيدة بها، فإن كنت أعتبر المراهقة من عمر 13 حتى عمر 21 تقريبا

فقد عشت أربع سنوات منها بشكلا لا بأس به حيث تغيرت شخصيتي بشكل جذري خلال هذه السنين

واستطيع أن اؤكد أنه لولا كل هذه التجارب الموحشة التي مررت بها لم كنت بهذا الشكل الآن

مع إنه مازال ينقصني الكثير، ومازلت أخطو خطوات صغيرة جدا كخطوات الطفل…لكنه تقدم حتى لو كان طفيفا

بالعودة لمرحلتي الثانوية، أود أن اتكلم بشكلا موجز عن ثانية ثانوي بالتحديد

حيث انتقلت فيها إلى ثلاث مدارس أهلية، وتعرفت إلى صديقات متفرقات انتهت علاقتي بهن حال خروجي من المدرسة

كنت في كل مدرسة أقول حسنا الآن سأجد الصديقات اللواتي ابحث عنهن، لكن في كل مدرسة كانت أغلبية الفتيات بالفعل مع صديقات الطفولة

تعثرت نفسيا وانهرت جسديا حيث بدأت افقد الارطال دون اتباع أي حمية( رغم أني دوما كنت اعاني من زيادة طفيفة بالوزن حتى تلك اللحظة)واصبحت كالميت الحي

لم يستطع والدي ووالدتي احتمال الأمر، اخذوني من مدرسة لأخرى على أمل أن اجد ما يريحني

لم أفهم ولم يفهموا أن الأمر كان داخليا، وحتى كانت آخر مدرسة دخلتها في تلك السنة هي الأسوأ بلا منازع حيث كن مجموعة من الفتيات المدللات

اللواتي درسن مع بعض منذ الابتدائية ولا يردن أي طالبة جديدة بالفصل

تجاهلوا وجودي وحتى استفساراتي، وبدأو بالتنمر علي بشكل واضح، يدفعنني، يبعدن كرسيي، يغيرن درجي، أشياء تافهة ولكنها أثرت علي بشدة

حيث خفت، ولم استطع الدفاع عن نفسي أمام 14 طالبة تقريبا، وكلهن عصبة واحدة، لم أعرف ما الخطب، فأنا أكيدة أني لم افعل شيئا حينها

كانت المعلمات طيبات معي، والمشرفة اصبحت تعرفني والمديرة أيضا، ولكن بنات فصلي….لم يحببني، حسنا…أعتقد أني حينها لم أكن لأحب نفسي لو أني شخصا آخر

ولكن هذا ليس عذرا…ولا مبررا…لتصرفاتهن الطفولية معي

اصبحت احضر يوما وأغيب ثلاثة أيام، غيابي أكثر من حضوري، وتم الاتصال على والدتي، وحدثت مشكلة كبيرة بالمنزل، واضطر أبي أن يتعامل معي كما يتعامل

مع الأطفال، حيث يجبرني على الذهاب، وبدلا من أن تأتي الحافلة لاصحطابي، اصبح هو من يأخذني شخصيا للمدرسة ولا يغادر حتى ادخل من البوابة أمام عينيه

كم مرت توسلت والدتي أن تجعلني أحول “منازل”؟ وكم مرة بكت أمي متوسلة لي أن تفهم ما الذي يحدث؟ لم تستطع أن تفهم الأمر ولا أن تتصور أن هناك

من سيؤذي شخصا دون سبب؟ كيف لي أن احكي لها عن العصابة الصغيرة التي أواجهها يوميا؟ وعن تلك المتنمرة “هنادي” التي كانت تحرك الفصل بكامله

فلو رأت فتاة تتحدث معي، تقوم بمناداتها، والله يعلم وحده ماذا كانت تقول لهن، فيبتعدن مسرعات عني ولا ينظرن بوجهي حتى

لم يجعلنني أشارك معهن في اليوم المفتوح ولا بالمعرض الذي أقامته المدرسة….لقد تم تهميشي بالكامل

ولأول مرة في حياتي بإكملها، أكاد أن ارسب، لقد تجاوزت المرحلة بدرجات بالغة السوء، حيث لم يصدق أحد أن هذه الدرجات لي

وبالتأكيد انتهت السنة وتم نقلي من المدرسة، واذكر المحاسبة المصرية حيث جئت لأكمل القسط وآخذ أوراقي حيث كانت تقوم بالتحقيق

معي، متسائلة عن السبب بفضول، واستطيع أن اقسم أنني لم أكن أول من يهرب فجأة من هذه المدرسة، فقد كان هذا واضحا على وجهها

وهي تقوم بتسليمي ملفاتي

جلست في المنزل طيلة العطلة الصيفية دون أن افكر بأهم مرحلة دراسية لدي، كنت أحاول نسيان المدرسة بالمرح مع بنات خالاتي وبنات أعمامي

وحيث انتهت العطلة، وقفت أمام ملفاتي وأمام والدي محتارة، وقالت والدتي ببساطة

“ابنة جيراننا ليلى انتقلت إلى مدرسة جيدة…اعتقد إنه من الأفضل أن تذهبي إلى هناك معها…تعرفين كم ليلى طيبة:

ولم أكن مهتمة بليلى في الحقيقة، فقد اتهمتني في الابتدائية أني اغار منها، وقد نشرت هذا بين الفتيات حيث قمن بالاساءة لي

ولكني اعتقدت أنها تغيرت، دفعنا عربونا ضخما، ولم أكمل اسبوع، وقمت بنفسي بسحب ملفي دون أن اخبر عائلتي

كادت تجن والدتي عند معرفتها، وتوسلت إليها أن لا تخبر أبي، لم استطع الاندماج في تلك المدرسة، وليلى لا تنظر في وجهي أصلا

بل يبدوا أنها قد قالت شيئا لصديقاتها أيضا فهن لا ينظرن بوجهي، وكل طالبات الفصل من الجنسية المصرية أو السورية

لا استطيع الاستمرار بهذه المدرسة، ولن استمر بها وقد قررت هذا

وتم اختيار المدرسة التالية عشوائيا، وصليت الاستخارة هذه المرة، واقسمت والدتي أني لو فكرت بتغييرها فستغير طريقة معاملتها معي

ووافقت على ما قالته، وذهبنا في اليوم التالي إلى المدرسة المنشودة

كانت مدرسة مشهورة بسمعتها الجيدة، ففيها نخبة من المعلمات، كما أنهم يعيدون الاختبار كثيرا، وكثير من الناس قالوا عنها كلاما طيبا

ولكن كل هذا لم يهمني، كنت أقول، أريد فقط أن تنتهي المرحلة الثانوية على خير، فأسم المدرسة والحديث عنها يخيفني بشدة

“كنت أظن أني “فاشلة” “غبية” “قبيحة” “معقدة” “بدينة

وكل الأفكار التي كانت تأثر على احترامي لذاتي

وكانت هذه العوامل الخارجية تزيد من الأفكار السلبية التي كنت أغذيها لنفسي

أعترف الآن أني كنت ألد اعداء نفسي

فأنا لم ارحمها ولم اعطف عليها ولم أربت عليها ولم أحاول تفهمها

ظللت أكيل الشتائم لنفسي طيلة الوقت، ولم أكن راضية بأي شيء يخص حياتي وشعرت بأني “أكبر خيبة أمل” لوالدي

فلطالما سببت لوالدتي الأرق حيث لم تعرف كيف تتعامل معي وكيف تساعدني وكيف تخفف علي

كانت تحاول إدخال البهجة لقلبي بكافة الطرق، لكنني لم استطع أن اتفهم محاولاتها، فكنت انفجر غضبا طالبة منها أن تتركني وشأني

لأني لا أريد لأي شخص في هذا العالم أن يشفق علي أو أن يفكر بي

وبهذه الأفكار الكئيبة ذهبت في اليوم التالي لمدرستي الجديدة بعد أن تغيبت اسبوعين كاملين بحجة الزي المدرسي ثم بحجة الكتب ثم بحجج واهية مختلفة

وهناك…كانت المفاجأة

حيث بدت لي كل الوجوه مألوفة، مشيت بتردد إلى آخر الفصل حيث كان هناك كرسي ودرج لوحدهما، حتى أنه لم يكن هناك من يجلس بجانبي

التفتت علي الفتاة التي أمامي وقالت بفرح : من مدرسة ****؟

هززت رأسي ببطء وأنا ارسم ابتسامة ميتة، وما أن انتهت الحصص وجاء وقت الفسحة، حتى انهمرت الفتاة بالاسئلة وهي تقول أنها تذكرني

لكنها لا تعرف اسمي، وجائت إحدى صديقاتها وقالت أنها تذكرني أيضا ثم أخرى وأخرى وأخرى

حتى اصبح عددنا ستة، كن يتحدثن بلا توقف، وشاركتهن الحديث بتردد

وبعد اسبوع، أتت فتاة أخرى وجلست بجانبي، ظننتها مصرية لكنها كانت سعودية من أم مصرية

ورغم أنها تبدوا مغرورة جدا، إلا إنها أول صديقة في حياتي، وما زالت صديقتي حتى الآن

شكرا “دينا”شكـــــــــــرا لا تنتهي، أنتِ من اعدتِ لي الثقة في هذا العالم، وأنتِ من جعلتي نظرتي لنفسي تتغير، أحبك كثيرا…ورغم أنني لا اتصل بكِ كثيرا

لكنك من الصديقات، اللواتي لن أنسى فضلهن علي مدى الحياة

ليست دينا فقط هي من صادقتها تلك السنة، بل كانت لدي “شلة”كبيرة، وكل من بالفصل يعرفني، بل كل من في صف ثالث ثانوي يعرفني، معلماتي يعرفنني

وطالبات الأدبي يعرفنني، وبنات الحافلة يعرفنني، حسنـــا…لم تكن سنة رائعة من بدايتها لنهايتها، بل قد واجهت مشكلة أو مشكلتين مع الفتيات في الحافلة لكن

هذا لم يعكر صفوي كثيرا، فقد اكتسبت الكثير الكثير….وكم فتاة تافهة ووضيعة حاولت إزعاجي في الحافلة لمجرد صداقتها مع الفتاة التي تشاجرت معها في أولى ثانوي

…لن تفسد هذه الفرحة العارمة في صدري

اذكر أني بكيت بشدة حين تخرجت من الصف الثالث ثانوي، فهي السنة التي شعرت بها بمتعة الدراسة والصداقات وحياة المراهقة، حتى تمنيت لو أمكنني إعادتها مع كل الفتيات مرة أخرى

لكن اعتقد أن هذا ما جعلها حقا ممتعة…أنها لن تعود أبدا..وأنها لن تتكرر بكل حدثا فيها

شكرا لكم اصدقائي…لقرائتكم كل كلمة في هذا الرد…لوصولكم إلى نهاية هذا الرد…أتمنى أن اسمع ما يجول في ذهنكم…عن التنمر…عن تجاربكم…سواء كنتم من المستضعفين أم من

الجهة الأخرى التي تعشق التنمر وتستلذ به…فلا تنسوا نحن في عالم وهمي…فلا بأس بقليلا من الصراحة

ملاحظة: لم أكت هذا الرد أو غيره لأحصل على التعاطف، بل كتبت هذا الرد لأني أود أن اخبر كل من يتعرض لمثل هذه المواقف، أنكِ لستِ الوحيدة، ومثلما نجوت فبإمكانك النجاة، فكري

بالأمر كمرحلة مهما طالت، فستنتهي…لذا تنفسي بعمق، وفكري بالأمر كالكابوس الذي ستسيقظين منه عاجلا أم آجلا